مونودراما
إيقاعات الماريمبا
MARIMBA RHYTHMS
لــ
محمود الشرقاوي
مقدمة : قد نقضي أسعد ساعات العمر في انتظار سعادة قادمة إلينا ، فإن لم تأتي نكون قد ارتشفنا لذة الحياة في انتظارها ، و إن هي أتت نكون قد اكتسبنا التوازن و النضج لاستقبالها ...
الشخصية : شاب يقضي ليلته منتظرا ، قلق ، متوتر ، عصبي ، لن يجعله الانتظار كذلك طويلا ...
الزمان : منتصف القرن الماضي ، حيث الكلاسيكيات الجميلة قبل أن تشوه
المكان : حجرة طعام بمنزل ، شاهدة على وجود زمن جميل في وقت ما
المنظر : حجرة طعام في منزل ، يبدو الأثاث مرتب ، من النافذة تبدو أرجوحة في حديقة المنزل ، توجد مائدة طعام عليها أطباق مغطاة , و شمعتان غير مشتعلتين و شماعة و قطع أثاث أخرى .
المشهد الأول : إنارة بيضاء ، يُسمع مؤثر كدقات الساعة بصوت عالٍ ،
يدخل الشـاب و هو بحالة متوترة , يلبـس الـ ( روب ) الخاص بالمنزل , يقطع المسرح ذهابأ ومجيئاً بحالة من التوتر ، يوقع أحد الكراسي يحاول أن يعيده فيتردد في ذلك فترة غير قصيرة ، أخيرا يقرر أن يعيده إلى وضعه , يسمع رنين الهاتف , فيجيب .
الشخصية : مرحباً .. ماذا تريد ؟ .. ألم أقل لك أن تلغي كل التزاماتي الليلة ؟! .. ألا يمكنني الاعتماد عليك أبداً ؟! .. ماذا ؟ ..السندات .. حسناً حسناً .. سآتي حالاً مع السلامة (يغلق الهاتف , و يستعد لخلع الـ ( روب ) و لكنه يغير رأيه فجأة ويدير قرص الهاتف , و على وجهه ملامح قلق و توتر و غضب تصاحبه طوال المشهد الأول ) اسمع .. لن آتي .. وقع السندات بدلاً عني بتاريخ السنة الجديدة نعم ألف و تسع مئة و سبع و خمسون .. و الغ كل المواعيد و الالتزامات .. ماذا ؟ العملاء ؟ حسناً لا لا .. لن آتي مع السلامة ( يغلق الهاتف ) .. لماذا لم تأتي إلى الآن ؟ لم تفعلها من قبل ! إنها تعلم أنني لا أطيق لحظات الانتظار ، إنها دائما تحملني ما لا أطيق ، عندما تتأخر فإنها تتأخر عن أهم المواعيد ، أظن أنها تحس بأني سأطلب الزواج منها الليلة .. ( يجلس ) تلك الفتاة العاطفية ، إن محبوبتي البتول لا تبالي بتعبي لجعل حياتي و حياتها أفضل ( يقوم ، يقطع المسرح ذهابا و مجيئا بسرعة مع ( فليشر ) فترة غير قصيرة ، يتوقف الفليشر و يظهر جالسا على أحد الكراسي ، تستمر دقات الساعة بتوتر أعلى )
الشخصية : ( يصرخ بغضب ) لماذا تتأخر ؟ هل يهمها أمر فرقتها الموسيقية تلك أكثر مني ؟ هل تفضل علي زملاءها الموسيقيين بآلاتهم الغريبة تلك ؟! هل تفضل علي تلك الآلة التي تعزف عليها ؟! آلة الـ ..
( يفكر ) آلة الممـ ... البمبـ ... ( يقف بغضب ) الآلة الغريبة . ( يهدأ قليلا ) لماذا تظنني تلك الفتاة بلا مشاعر ؟ ألا تعرف أنني أحبها ؟ ألا تراني ألبس مثلما تحب ؟ آكل ما تحب ؟ أؤثث منزلي كيف ما اتفق مع هواها ؟! ألا تقدر جمعي للمال من أجل مستقبلنا ؟ ماذا أفعل أكثر من ذلك ؟ فليس لدي وقت لإرسال وردة مع بطاقة حب كل صباح ! كما أن معجمي خالي من تلك اللغة الشاعرية و لساني يعجز عن أن ينطق بالغزل الساحر
( بسرعة و انفعال ) لا أعرف الغناء ، لا أملك ربطة عنق حمراء ، لا يمكنني رسم الموناليزا ، لا أستطيع أن التقط لحظة الغروب بـ ( كاميرا ) فوتوغرافية ، لا أصلح أن أكون الـ ( المايسترو ) للفرقة التي تعمل بها !
( يهدأ ) إنني حتى لا أجيد الرقص و هي لا تكف عن طلبها مراقصتي
( تسمع موسيقى متوترة فيما يحاول الرقص و كأنه يراقص فتاة و لكنه يتشنج و يصير جسده و كأنه من خشب ، تتوقف الموسيقى مع صرخته )
الشخصية : ( يصرخ ) يا إلهي ، أنا أحبها و لكن بطريقتي ( ينفعل ) سأتزوجها ، لن ينقصها أي شيء معي ، سأوفر لها كل ما تحتاج ، ستسافر كل دول العالم ، و ستلبس أغلى فرو ، و تتزين بأنفس مجوهرات ، سترى أفضل الفرق الموسيقية في العالم ، سأشتري لها جميع الأسطوانات التي تحتوي على آلة الـمممـ ... ( يهدأ ) إني أتمايل كالأرجوحة عندما أراها ، كأرجوحة لا تملك قرارها ، تتهاوى في الهواء لإسعاد طفلة ستتركها بعد دقائق للعبة أخرى فتتمايل الأرجوحة وحيدة في الهواء ( ينهار على أحد المقاعد ) متى تكف عن اتهامي بأني بلا مشاعر ؟ متى تراني و أنا أتمايل وحدي في الهواء ؟ ( ينعس ) يجب أن اقترب منها أكثر ، سأحفظ اسم تلك الآلة التي تعزف عليها ، إنها آلة الـ ... بمبارا .. لا آلة الـ ... المممـ ... البمببـ ... ( يخفض صوته تدريجيا ثم يغلبه النعاس و ينام )
( إظــــــــــــــــــلام تـدريـجـــــــــــــــــــــــي )
المشهد الثاني : إضاءة حمراء تدريجية على المسرح ، تسمع موسيقى أغنية (sway) ثم يسمع صوت جرس الباب فيستيقظ و كأنه شخص آخر تماما ، بملامح رقيقة و ابتسامة دافئة و قد اختفت كل ملامح الغضب و التوتر التي صاحبته طوال المشهد السابق ، تصاحبه الصفات الجديدة طوال المشهد ، يخلع الـ ( روب ) و يعلقه على الشماعة و يلبس سترته و يقوم ربطة عنقه ثم يذهب إلى المائدة ليشعل الشمعتين ثم يذهب و يفتح الباب .
الشخصية : ( و كأنه يكلمها ) و عليكم السلام .. أهلا أهلا ، تفضلي (برقة) بعد هذا التأخير لا أظن أن حرارة الطعام كحرارة لقائنا ، فأغلب ظني أنه قد تسلل إلى الأطباق برود الوحدة التي كنت أعانيها بدونك ... كيف كان العرض ؟ أراهن بأي شيء على أن جمهور الـ ( أوبرا ) كاد أن يجن بعد مقطوعتكم التي تقدمونها ، إن موسيقاكم هي أجمل ما سمعت أذناي و أجمل ما مس مشاعري ( يصمت و كأنه يستمع إليها ثم يضحك عاليا و لكن برقة ثم يسأل مستنكرا ) لم كل هذا ؟! لأن معهم أفضل عازفة ماريمبا في العالم ، نعم فإن الماريمبا يا حبيبتي تستحيل بين يديك إلى صورة من أبهى صور الطبيعة ، تضبطي بها إيقاع الحياة .. تفضلي بالجلوس ( يذهب إلى المائدة و يسحب لها كرسي و يجلس هو على الآخر ) حتى حياتي أنا لا تحلو إلا بألحانك فإيقاعاتك تنظم نبض قلبي .. يا إلهي كم أنا محظوظ ، آلة الماريمبا أمامي ، تحدثني ، تمسك يدي ، تتناول عشاءا أعددته في منزلي ، تقرأ حروف اللحن من عيناي ، تخصني بأجمل وصلة من العزف المنفرد ، حبيبتي لقد جعلتي إيقاعات الماريمبا أجمل ما في حياتي ، فإنني أتمايل طربا عندما أراكي ، أتمايل كأرجوحة لا تملك اختيارها ، بل تملكه طفلة تريد أن تلهو ثم تتركها تتأرجح الهواء وحيدة ، حبيبتي من السهل أن تجدي ما يسليك بعيدا عني ، فأرجوك لا تتركيني وحدي أتأرجح في الهواء فأنت الطفلة التي طالما حلمت أن نتمايل معا ( يظل لفترة يتفاعل معها و كأنها تحدثه بضحكات و تعابير و إيماءات ) هل لي أن أحظى برقصة ؟ ( يقف من على كرسيه ، يذهب إليها ، يرتفع صوت الموسيقى ، يرقص كأنه يراقصها لفترة غير قصيرة ، تنخفض الموسيقى و تصبح خلفية ) هل سمعتي أغنية تمايلي ؟ .. فكلماتها من أجمل ما سمعت .. حبيبتي .. راقصيني كلما بدأت إيقاعات الماريمبا ، عانقيني ، كما تعانق أمواج المحيط الكسول رمال شاطئها الهادئ ، ارقصي معي مثلما ارقص ، كما تنحني الزهرة مع النسيم ، انحني معي و تمايلي بسلاسة ( يتوقف عن الرقص تدريجيا و يضحك ثم يرتمي على أحد المقاعد و تتعالى ضحكاته إلى حد القهقهة ) ( و هو يضحك ) يا إلهي ، أنت تمتلكين طريقة بارعة في الرقص فأنت تصعدين بي إلى السماء ( يضحك ) إني لا أشعر بقدماي ، قد يكون هناك راقصين آخرين ! لا أعلم ، فلم أكن انظر إلا في عينيك ، لأنك و حدك تمتلكين ذلك الـ ( تكنيك ) الساحر الذي يشعرني بأني قوي كالأسد و ضعيف كالطفل ، حبيبتي ، ابقي معي لتنظمي إيقاعات الأرجوحة و لتحميها من الصدأ الذي تسببه الوحدة ، تمايلي معي لآخر العمر يا حبيبة العمر ، أحبيني، خذيني ، عانقيني ، فأنت حقا تمتلكين طريقة بارعة في الرقص ( ترتفع الموسيقى مرة أخرى و يقوم للرقص ثانية لفترة غير قصيرة ، تنخفض الموسيقى لتصبح خلفية )
الشخصية : ( بفلسفة و قد تخلى عن طريقته الرومنسية ) أتعلمين ؟ .. أنا استطيع أن أسمع صوت الكمان قبل أن يبدأ العزف .. ( يضحك ) حسنا سأخبرك كيف على أن تحفظيه سرا بيننا .. لا تخبري أحدا ! .. أولا ألقي نظرة على مجموعة عازفي الكمان .. يا ألهي أنهم كثر .. بنفس الزي و نفس النظرة الباردة قبل بدء المقطوعة ... إنهم يبدون و هم واضعون آلاتهم على أكتافهم ككتيبة حرب يضع كل منهم بندقيته على كتفه ، صامتين ، ساهمين ، مقبلين على معركة حامية ، إذا سقط أحدهم حملوه البقية ، و قبل بدء العزف مباشرة أنظر إلى أعينهم مرة أخرى فأجد النظرة الباردة و قد تحولت إلى نظرة مشتعلة ، أنظر مباشرة إلى تلك النظرة فاستطيع أن أقرأ صفحة اللحن ، فتصيبني رعشة و أغمض عيناي و اسمع اللحن وحدي قبل أن يعزف ( يصمت و كأنه يستمع لها ، ثم يضحك ) لا تخبري أحدا ( ترتفع الموسيقى ، ثم يتوجه إلى المائدة يسحب لها كرسي و يجلس هو على الآخر ) حبيبتي ، أخيرا ملكت الأرجوحة اختيارها ، فلن تقبل أي من الأطفال السذج مرة أخرى و لا حتى أهاليهم الطفيليين ! و لن تتمايل إلا معك و لن تتأرجح إلا لتسليك أنت وحدك ، إليك آخر أوراقي .. هل تتزوجيني ؟ .... لا ، لا تجيبيني باحمرار الخد التقليدي هذا ، فمنك أنت بالذات أريد أن أسمعها ، أسمعها كما أسمع أبدع الألحان .. اسمعينيها كما تسمعيني إيقاعات الماريمبا ، نعم الماريمبا ، الماريمبا ... الماريمبا ( تعلو الموسيقى و تخفت الإضاءة و هو يكرر كلمة الماريمبا ، تنخفض الموسيقى تدريجيا حتى تتوقف )
( إظــــــــــــــــلام تــــدريـجــــــــــــــــــــي )
المشهد الثالث : إنارة بيضاء ، تظهر الشخصية على نفس الوضع في آخر المشهد الأول ، يلبس الـ ( روب ) و نائم على نفس المقعد ، يستيقظ بشخصية مختلفة ، هادئ ، مستقر ، يغلب عليه العقل ، ابتسامة عريضة تعلو وجهه طوال المشهد )
الشخصية : ( يصرخ بسعادة ) الماريمبا ! ( يضحك ) آلة الماريمبا ، يا له من حلم ، ما أجمل ساعات الانتظار ، يا لغبائي ! إن المسألة أبسط مما كنت أتصور ، فالإحساس الصادق و الكلام الجميل مصحوبين بابتسامة دافئة ، كاف جدا لضمان حياة هانئة و سعادة لا منتهية ، من اليوم سيكون لي نشاطات أخرى بجانب عملي الشاق ،سأحاول أن أكون متذوقا جيدا لأنواع الموسيقى و قد أجلس أمام البحر لا أفعل شيئا سوى تأمل الغروب ، و سأفكر في شراء ربطة عنق حمراء ( يفكر ) لا .. لن يبلغ بي الأمر هذا الحد .. ( مبتسما ) لن ألبس تلك الربطة الحمراء السخيفة ، لكني سأعوض ذلك بتعلم بعد الرقصات
( يسمع جرس الباب ، فيتوجه إلى الباب راقص في رشاقة )
الشخصية : ( من الخارج ) و عليكم السلام .. أهلا أهلا ، تفضلي ..
( يرتفع صوت الموسيقى ، إظلام النهاية )