سيد الفنون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

سيد الفنون

منتدى يعنى بشؤون الفنون المسرحية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
منتديات سيد الفنون...تعنى بشؤون الفنون المسرحية...نتمى لكم اجمل وامتع الاوقات

 

 * هنريـك أبسـن *

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
علي العبادي
مدير المنتدى



عدد المساهمات : 37
تاريخ التسجيل : 17/07/2010

* هنريـك أبسـن * Empty
مُساهمةموضوع: * هنريـك أبسـن *   * هنريـك أبسـن * Icon_minitimeالسبت يوليو 24, 2010 5:28 am

* هنريـك أبسـن *
الأب الشرعي للحداثة في المسرح المعاصر
سعدي عبد الكريم / كاتب وناقد مسرحي
إن مكنونات المعرفة التجريبية ، هي جل الركائز والدعائم الفكرية والعلمية والفلسفية التي قامت عليها الحضارة الغربية ، وهي بالتالي التي أدت إلى إنبثاق وتطور أهم النظريات التجاربية العلمية التطبيقية ، وازدياد حجوم التواتر المجدي والنفعي الكلي في حقول الاختراعات والاكتشافات الكبيرة ، التي ما زالت تنعش الحيثيات اليومية المعاشة في رحم الجدوى الانسانية بالكلية ، والتي ما زالت تتعاقب وفق تأسيساتها التنظيرية المتواترة ، في تجديد وتنشيط منظومة العقل البشري ، وهي المصدر المهم والملهم للعديـد من الباحثيين والمنظرين المجددين ، الحداثويين ، ويبدو من خلال استقراء سريع للواقع الغربي ، ووفق التطور التصنيفي الموثق في علومه وثقافاته وفلسفاته المختلفة ، انه لم يصل الى هذا النوع من المعرفة الا بعد مخاضات عسيرة ، على كافة الاصعدة والمستويات ، الاجتماعية ، و العلمية ، و الفكرية ، والفلسفية ، ومن الجدير بالاشارة اليه هنا ، ان من أوائل الذين اسسوا ركائز ودعائم هذا النوع الجديد من المعرفة هو ( فرانسيس بيكون ) Francis Bacon ) ) 1561 – 1626 الذي صاغ وأسس المواطن الاصيلة العامة لطروحات فلسفته الفكرية في نهاية القرن السادس عشر ومطلع القرن السابع عشر ، اي في تلك الفترة الخطرة من التحولات التروطراقية والفكرية والفلسفية القلقة التي شهدتها الساحة الاجتماعية والسياسية الاوروبية ، في رحم ِ عصر ٍ انتعشت فيه فلسفـة الشك عنـد ( رينيه ديكارت ) ( René Descartes ) (1526 - 1650 ) الذي كان يعرف أيضا بـ( بكارتيسيوس ) ( Cartesius ) الفيلسوف الفرنسي ، الرياضاتي ، الذي يعتبر ايضا من مؤسسي الفلسفة الحديثة ومؤسس الرياضيات الحديثة ، من أوائل الذين مجدوا العقل ، ونادوا بتأييد الاتجاه العقلي ، حتى اطلق عليه ( ابو الفلسفة الحديثة ) وقد نادت الفلسفة الديكارتية بالحق الذي برهنت عليه في وضوح الذهن ونوازع بداهيته الاصلية ، ومجّدت العقل ايما تمجيد واعتبرته سيد المؤسسين للظواهر الفلسفية ومفسرها المنتج ، وفي معرض حديث ديكارت عن العقل يؤكـد قائلا ً :-
* العقل هو أحسن الأشياء توزعاً بين الناس إذ يعتقد كل فرد أنه أوتي منه الكفاية حتى الذين لا يسهل عليهم أن يقتنعوا بحظهم من شيء غيره ، ليس من عادتهم الرغبة في الزيادة على ما لديهم منه * ( 1 ) .
وربما سياخذنا هذا الشكل من الطروح العقلية الغربية لاستنباط واستخلاص ما يفكر به العقل العربي على مستوى ميدان ذات الفلسفة في النزعة المظاهرية في تمجيد العقل وبداهته واستظهار قيم الشك لاثبات الحقائق الفوقية على اتفاقها الاصيل الناجز الغير قابل للتاويل ، في المساس بقدسية الذات العليا ، حيث يصرح الامام الغزالي في مدونته ( المنقذ من الضلال ) قائلا : -
لقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دأبي وديدني من أول أمري وريعان عمري ، غزيرة وفطرة من الله ( 2 ) .
وهنا عليّ التأكيد ، بان الذهاب الى مستوى هذا الاستدلال العميق في الرؤية الاستنباطية المُبية للحقائق ، وفق قواعد فلسفية عميقة وجادة ، انما يدل دلالة واضحة على ان العقل العربي الفلسفي يرتاد فكرة ادراك الحقائق المجردة الناتجة عن خصائص المنتج الاشيائي ، والانساني المستتر الباطني ، او الظاهري العام ، عبر تفكيهها واعادة ترميمها , وانشاء النص المُنجز عبرها ، ومن ثم اعتبار العقل مصدرا مهما من مصادر الاستنتاج وجوهر الاستنباط ، والمجس الانموذجي لادراك غرائز الفطرة ، واعادة برمجة السلوكيات الفردية ذات النزعة الذاتية المفرطة ، والجمعية الحاضنة لتلك النزعات ، لاستقراء الحقائق ، و استنباط مكنوناتها الصيرورية ، مرورا باحالتها لمنظمومات التغيير الجذري ، ومن ثم لأتمام حتمية تطوير مفاتن اخصاباتها الفكرية والتطبيفية .
واذا انتقلنا الى جوهر التطور الحاصل على مستوى العلوم الفلكية ونهضة الاكتشافات الكبرى في اوربا ، والتي تحققت على يد العالم الايطالي ( غاليليو غاليليه ) ، باعادة إحياء معرفة حقائق الشكوك الكبرى ، بذات عصر الإصلاح الديني والذي تحدى فيه السلطات المعرفية الادراكية والدينية التقليدية ، والذي كما هو معروف آل مصيره الى ما آل اليه على يد رجال الكنيسة ، والى جانب الانفصال الروحي والديني في انجلترا عن الكنيسة الاصيلة في روما ، وما تبع ذلك من متغييرات اجتماعية ، ودينية ، واقتصادية ، وسياسية ، حيث كانت أوروبا في حاجة الى رؤية وتبيان أ طر جديدة ، تساعدها على مواجهة جل هذه التحولات وعلى كافة الاصعدة ، والتي نشأ عنها ذلك التطور الصناعي الهائل في ابتكار آلة الطباعة ، والبوصلة ، واستخدام البارود كسلاح لمواجة التحديات ، ومن جانب اخر فقد مكنت الطباعة الناس البسطـاء ( العامة ) ، من غير طبقات النبلاء وحاشية البلاط ورجالات الاديرة والرهبان ، من الاطلاع على المستجدات الفكرية والعلمية والفلسفية ، من خلال قراءة مجمل التصانيف من الاصدارات الجديدة للكتب ، كما مكنت البوصلة الملاحين من اكتشاف العالم والوصول الى فضاء عالم آخر جديد ، ومنظومة اخرى من الثقافات والشعائر والطقوس الانسانية المختلفة .
ورغم ذلك ظلت الفلسفة كما هي ، تدور في فلك ارسطو والثوابت التي كان قد قررهـا ( المدرسيين ) ، الذين اصطلــح على تسميتهــم بالمفكرين والفلاسفة ( الكلاسيكيين ) .
وعند عودتنا الى الرواد الاوائل الذين إنتبهوا إلى غياب جدوى المنطق الأرسطي الذي يعتمــد على القيــاس ، نجد ان الفيلسوف الانكليـزي ( فرانسيس بيكــون ) ( Francis Bacon ) رجل الدولة ، والفيلسوف المعروف بقيادته للثورة العلمية عن طريق فلسفته الجديدة ، التي يؤكد بمضمونها على مبدأيين اصليين هما :-
1- الملاحظـة .
2- التجـريب .
وهذين المبدأيين في رأينا ، تشتغلان وفق مناطق اللوازم الشرطية لحضور الفعل التأثيري الصارم لـ( التجريب ) ، والتوقيع الناجز لعملية التطوير التطبيقي المُلزم ، المتوخى عبرهما وكالتالي : -
* الملاحظة * باعتبارها المجس الالتقاطي المرئي والموثق للظاهرة وتاشير معالمها الحيثية ، والحثيـة الناشطــة والمتداخلة في الجسد ( الذاتي – الجمعي ) 0
* التجريب * بوصفه مرحلة متطورة ، من مراحل المعالجة الحتمية داخل متن الخطاب النصي الفكري التغييري ، بتصانيفه الابداعية الفكرية المتنوعة ، لأن ملكة التجريب بقدراتها التراتبية ، تبضع وتفكك الظاهرة داخل الجسد المجتمعي ، عبر استقراءها ، وتفسيرها ، وتحليلها ، لتحيلها جاهزة لكينونة العقل والحواس لتميّزها ابتداءا ، ومن ثم اقرارها ، لاحداث عملية التغيير والتطوير ، عبر المتخيل التاويلي الآني في تاسيس باحة مناطقية تجسيدية متخيلة حاضرة ، في متن النص الفكري الحداثوي باعتباره حضورا مميزا انتقائيا ، في ملأ الفراغات البيضاء ، والفضاءات العائمة ، بين الجهدين المهمين :-
1- الجهد الفنـي - للخطاب النصي ( الكتابـة ) .
2- الجهد الجمالي - للخطاب النصي ( القراءة ) .
وعند العودة الى ( بيكون ) نجده قد أعُتبرَ من أوائل المنظرين لحركة التنوير الاوربية والتي شهدَ فيها القرن السابع عشر تغييرات هامة ، في طريقة التفكير والتناول والبحث ، جعلته بمثابة ثورة عارمة ، الا أنها لم تكن بالغة الأثر ، وذلك راجع بالتاكيد الى جملة من الضغوطات المستفحلة القوية المستحدثة التي أثرت على بناء الفكر وتلاحمه ، وقد جاءت تلك الضغوطات من عدة اتجاهات أهمها الأفكار العلمية التي فجرها عصر النهضة على يد كل من ( غاليليو ) في اثباته العلمي لكروية الارض ، والتي على ضوءها انتعش فيما بعد عصر الاكتشافات الكبرى الـ ( ما ورائية ) ، بيد ان الكنيسة سخرت منه في حينها ، واعدمته ، و ( نيوتن ) صاحب الاحداثية العظمى ( الجاذبية ) وما لحق بهذا الاكتشاف الثر من تاسيسات علمية خارقة وفتحت ملاحق وابواب علمية عديدة ، في اكتساح جل العلوم التطبيقية فيما بعد ،.
وهذا الاستعراض الاستهلالي التاريخي الموجز السريع في دراسة مبحث أصل الحداثة على يد رائد الحداثة ( فرانسيس بيكون ) سيأخذنا بالضرورة لاسقاط موضوعة بحثنا هذا ضمن سياق عنوانها البحثي ، فمن الملفت لنظر الباحث والمهتم والمعني باصل الحداثة في ادب المسرح بالعموم ، وتاريخ المسرح بالخصوص ، بانه قد يكتشف بوقت غير مبكر ، بإن هناك ثمة حيزا كبيرا من التغييب ، والاغفال ، بل وحتى التقصير التاريخي القصدي ، الذي مارسه الترتيب التقويمي الزمني ، او على صعيد السياق البيلوغرافي التوثيقي ، او ربما حتى على مستوى الحركة النقدية المسرحية والادبية بالعموم ، إزاء الشاعر والكاتب المسرحي النرويجي المبدع الكبير ( هنريك ابسن ) (ibsen henrik ) ( 1828 – 1906 ) الذي عُـدَ بحق وجدارة سيد وشيـخ ( الحداثة ) (Modernity ) في المسرح المعاصر ، بل وكان في رأينا الاب الشرعي للدراماالمسرحية المعاصرة .
وربما جاء هذا الاجحاف مبكرا بالرغم من ان اعماله المسرحية المدونة قد تناولها العديد من المخرجين الكبار ، وتم اخضاعها لفرضية العرض المسرحي ، ضمن الموضوعية الفكرية المنهجية التراتبية ، ابتداءا من الاستقراء الابتدائي ، ومرورا بالنقد التحليلي ، ومن ثم أحالتها لمنصة التفسير ، والتاويل ، والاستنباط المدارسي والاسلوبي ، ووفق الخريطة المسرحية التنظيرية العربية والعالمية ، وانتهاءا بالمحفل السمعبصري للمتخيل الصوري المرئي الجمالي المقرر داخل المناهج الاخراجية ( الميزانسين ) للعرض المسرحي .
وربما ما يعزز هذا الايراد الذي ذهبنا اليه ، ما دونته ( توريل موي ) في كتابها النقدي المثير للجدل والمقروء على مستوى النخبة الوعيوية الاكاديمية المتخصصة المعنية بالحركة المسرحية ، بجل تصانيفها المهمة الغنية ، والموسوم ( هنريك ابسن ومولد الحداثة ) الصادر مؤخرا عن جامعة أكسفورد حيث تؤكد فيه : -
كان ( ابسن ) الكاتب المسرحي الأكثر أهميةً بعد شكسبير، كما وتُشير أيضا ، الى انه قد حضى بأهتمام نقدي ضئيل لا يتناسب وأهميته المهارية الإبداعية ، بشكل يثير الاستغراب وذلك من قبل المنظرين للحداثة وما بعد الحداثة .
وعلى ضوء ملاحظة ( موي ) الحاذقة النقدية التحليلية الثاقبة هذه ، سأحاول من خلال هذا البحث ، تسليط الضوء على جملة من التفاصيل داخل الرحلة الفنية المضنية لـ( هنريك ابسن ) استهلالا من بواكير اعماله الشعرية والنصية المسرحية ومرورا بهجرته المبكرة داخل وطنه وخارجه ، وانتهاءا بمحاولة استقراء سريعة لمجمل اعماله وتاثيرها على الحركة المسرحية العالمية بالعموم ، واجراء الفرضية الثبوتية العلمية الناجعة المبنية وفق طرائز وشرائط تحليلية استدلالية واضحة المعالم في ان ( ابسن ) كان يستحق لقب الاب الشرعي للحداثة في المسرح المعاصر .
ومن أجل الولوج لباحة ( ابسن ) المسرحية الخصبة الواسعة عليّ ًان أؤسس ابتدءا ً لمدخل تراتبي زمني ، كي استطيع بالاجمال ان الملم ولو بملامح واجهية سريعة ، او بتودءة مضطردة ، للاحاطة التقريرية في محاولة الامساك بتلابيب الحالة الاستقرائية الموضوعية لمسيرة هذا الكاتب المسرحي العظيم ، وربما سيكون المدخل من وجهة غرائبية بعض الشيء ، حيث ان من غير المتداول والمعروف نسيبا لدى الكثير من المعنيين والمهتمين بادب المسرح بان ( هنريك ابسن ) (ibsen henrik ) قبل ان يكون كاتبا مسرحيا عبقريا لامعا وصاحب امتياز في تثوير مواطن الحبكة المسرحية الجديدة وصياغة خطاب ادبي مسرحي ملهـم وحداثوي ، اطلق علية اصطلاحا بـ( الواقعية الاجتماعية ) أو ( الدراما النفسية ) انه كان شاعرا مجيدا حيث اصدر عام ( 1871 ) مجموعة شعرية رائعة ، وكان ملتزما ايما التزام بثوابت ترسيخ المفاهيم والقيم المجتمعية الناهضة الجديدة ، حيث كابد الاهوال ، من اجل ان يصل الى هذه الشهرة العالمية الواسعة ليصبح في مصاف الكتاب المسرحيين الكبار امثال ( وليم شكسبير ) على الاقل من حيث تناول مسرحياته نصا ، ونقدا ، وتفسيرا ، وعرضا او ربما الاختلاف علية بين معارض لطروحاته الفكرية ، وبين مغال في مناصرته ، بقياس المنتج النصي المدون الثر ، ومن ثم المنتج العرضي الخصب من نتاج مسرحياته عالميا ، وايضا من ناحية عمق افكاره الانسانية النبيلة ، ومن المفارق ان ( ابسن ) قد عرف الغربة مبكرا فقد سافر وهو ابن السادسة والثلاثين الى بريطانيا ، والمانيا ، ولكن المفارقة الاكثر ايلاما ، انه لم يعد البته الى وطنه الاصيل ( النرويج ) الا عندما بلغ الثالثة والستين من عمره ليقضي ما تبقى من ايام عمره المترعة بالمنجز المسرحي الابداعي ، حيث وافاه الاجـل وهو ما زال مترعا بسمو الكتابة في مدينة ( كرستينا ) عن عمر يناهز الثمانية والسبعون عاما ، حافلة بالرقي والاخصاب المسرحي .
هو ( هنريك يوهان ابسن ) ( henrik johan ibsen ) 20 / مارس 1828 – 23 مابو 1906 ، شاعر نرويجي الاصل أُعِـدَ من أعظم كتاب الدراما المسرحية ، واعتبره النقاد المسرحيون ، والمهتمون والمتتبعون الاكاديميون ( ابي الدراما الحديثة ) وذلك للاثر الكبير الذي احدثه في عموم فن المسرح شكلا ومضمونا ، وتناولا لـ( ثيمات ) اعماله المسرحية ، فقد استطاع ان يهضم الاساليب الكتابية الدرامية السالفة وبخاصة فيما يتعلق في بناء المسرحية الفائقة الجودة الخصبة المناخات في الصناعة الفنية والحرفية والاسلوبية ، والتي ارتبطت ايما ارتبـاط باعمـال الكاتب المسرحي الكبيـــر الفرنسـي ( يوجين سكريب )( yugen Scribe) رائد المسرحية القوية والجيدة (الحبكة) ، من حيث الاحتفاظ ، والتاكيد على تمتين عنصريين أصليين هما :-
1- التشويـق .
2- المفاجـأه .

كما وتعكس كتابات ( ابسن ) المسرحية مدى تاثره المباشر في صياغته للمسرحية الواقعية الاجتماعية العالية المتانه الحكائية ، والجرئية في التناول ، والقوية المتانة التاسيسية في صنع وصياغة الحبكة ، وانتخاب الموضوعات الاجتماعية الباعثة على الجدل ، في اسقاطها المباشر على ارضية الواقع الاجتماعي اليومي المعاش ، بالكاتب الألماني ( فردريك شيلر ) ( ( Friedrich Schiller 1759-1805 وبخاصة في احداث المسرحيات التي تدور ملامح جذورها الثيمية في اجواء الكفاح الانثوي الناتج عن مخاض نضالي بحت ، واستثمار اللمسات الشعرية الراقية ، وان اختلفت طرائق التناول الحكائي والمعالجاتي والدلائلي والبيئي بين الاثنين ، ولكنهما اتفقا بالاجمال في طريقة الدفاع عن المشاغل التي تهم المجتمع برمته ، والمرأة بالخصوص ، والخلاص الى التاثير المباشر على المتلقي ، ومن هذه المسرحيات ( الشيليرية ) التي اتسمت بالقرب الشديد من ملامح مسرحيات ( هنريك ابسن ) مسرحيـة ( حـب ودسيسة ) ومسرحيـة ( اللصوص ) ومسرحيــة ( فيلهلم تـل ) ومسرحبة ( ماريا ستيوارت ) ومسرحية ( مؤامرة فيسكو في جنوا ) .
اما فيما يخص عملية المقاربة الدرامية ، والمتانة في الحبكة الدرامية الاجتماعية في تأثر ( هنريك ابسن ) بأدب وشاعرية وصياغة النص المسرحي لـ( فردريك شلير ) فيبدو ان المثال الاقرب لذلك الاسقاط ، هي المسرحية التي اعتبرت من اهم التراجيديات المأساوية الناهضة في صياغة حبكتها الدرامية ، ومتانة قيمتها التفاعلية في التناول ، وااسياق المثنلوجي لمرجعيتها ، وبكونها مكتوبة بلغة متقنة عالية اخاذة ، وبقوام انتخابي انثوي موقفي صارم شجاع ، بذات اللحظة التي يتزاوج فيها الشعر الرومانسي ، مع ثبات الموقف ذو التجذير الانثوي ، والتي كان قد كتبها الشاعر والكاتب المسرحي ( فردريش شيلر ) عام 1801 ، تحت مسمـــى ( عذراء أورليانز ) والتي كان قد اقتبس حكايتها عن قصة الفرنسيـة ( جان دارك ) التي تم بيعها الى الانكليز بعد أن الصقوا بها تهمة السحر والشعوذة وقُدمت إلى المحكمة الكنسية ، واعتبرت ملحـدة ومرتدة ، وهو ما ترتب عليه حرقها حية في عام 1431 ، وبعد تسعة عشر عاما على حرقها وتحديدا في عام 1450 أقيمت محكمة لتبرئتها وتكريمها , وبعد مرور اكثر من اربعة قرون ونيف ، وتحديدا في عام 1909 جرى تقديرها وتبجيلها كفتاة مسيحية , ولقبت ( جان داراك ) بـ( القديسة ) .
وظلت على الدوام ( جان داراك ) مصدرا هاما ومهما لاستلهــام فكرة ( البطلة الانثوية ) ، ومبعث الهام للكثير من المبدعين ، وخرجت للنور العديد من الأعمال الأدبية التي تحكي قصتها.
كان الألماني ( فردريش شيلر ) من أكثر الذين عرفوا كيف ينصفون البطلة الفرنسية دون أن تفوته , بين الحين والآخر بعض سهام النقد اللاذع من بعض الاقلام النقدية ، و( عذراء اورليانز ) هي الاخرى نصا مسرحيا مكتنزا ، كانت وما زالت ، مصدر تقدير واكبار وتقديس بكونها محط تبجيل للشعب الفرنسي برمته ، ومدعاة للحزن والاسى بمصيرها البائس التي آلت اليه على ايدي الإنكليز ، ولكن ( دارك ) لم تنل عند الاوربيين بالعموم وبخاصة الإنكليز والألمان منهم ، الحظوة الفائقة ذاتها التي نالتها من لدن الفرنسيين ، فهي لدى الفرنسيين اشبه ما تكون قديسة أما عند الطرف الاخر ، فانها تزاوج ما بين نزعة الجنــون ، والتعصب ، والمغامرة ، والشطح الفكري ، والمغالاة والشعوذة ، والسحر .
حتى عندما تناولها الالماني ( برتولد بريشت ) بنص مسرحيته التي تدور أحداثها في العصور الحديثة ، ووصف بطلة المسرحية بالمهيمنة على المسالخ ، لم يكن تقديره لها بالمرة تقديرا عاليا .
ويمكن القول بان ( برنارد شو ) هو الاخر ايضا لم ينصف ( دارك ) فقد سخر منها بشكل لاذع .
وبالاجمال فقد كان الألماني ( فردريش شيلر ) هو الاكثر أنصافا لهذه البطلة التاريخية الفرنسية ، بالرغم من أنه لم يتخلص البتة كما اسلفنا من طروحات النقاد اللاذعة بحقه .
ومن هنا يجيء ذلك التاثر الواضح من قبل ( ابسن ) بـ( شيلر ) لانهما اهتما بذات القدر ، بالقضايا والمحاور الاجتماعية الواقعية وكتبوا الدراما الانثوية ، فقد استطاع ابسن من صياغة نصوص مسرحياته الحديثة ، من استلهام جل العناصر الابداعية المرتكزة على الفهم التراتبي البنائي ، لاخصاب التوافر المناخي العضوي الدرامي ، من ( سوفوكلس ) في القــرن الخامس ق_م الـى ( سكريب ) في القرن التاسع عشر ، ولكنه مع استلهامه وفهمه العميق لتلك الاطاريح المسرحية الفنية التي سبقته فقد خلق لنفسه اسلوبا دراميـا متميزا خاصا ، ومتفــردا عرف بـ( المنهج الانقلابي ) Retrospective ) Method ) ، ويتبى هذا المنهج في مواطن تراتبياته الاجتماعية الاصيلة وجوهر صيرورته الواقعية ، في ان يبدأ الخطاب الدرامي المسرحي ( النص ) المدون ، بموقف ابتدائي استهلالي في ابان اللحظة المتقدة في خاصرة الزمكانية الآنية الحاضرة ، لتتوالى الاحداث المتراتبة ، والمتوالية مستحضرا اياها من جلابيب الماضي ، ومن ثم العودة لنسج النهاية المأساوية لابطال نصوصه المسرحية ، ومن الجدير بالذكر ان ما يميز ( ابسن ) عن اقرانه ومعاصريه من كتاب الدراما ، هو انحيازه البائن وانعطافه الواضح صوب الواقعية المحضة ، وهذه المندوحة اعطت لاعماله المسرحية قيمة مضافة لقيمة المضامين الاجتماعية الجديدة ، حتى اصبحت باحة المسرح في عصره اكثر من ( حضور ترفهي ) ومشاهدة بصرية ممتعة لـ(فرجة عاطفية) مغرية ومثالية او حتى جسدية ، والتي لا تخلو من مثالب عديدة ، لتنحو بـ( المسرح الحديث ) لمناحي ليست من مهامه الاصيلة في عملية التغيير المجتمعي الذي كان يعتقده ، بل راح منتشيا يعرض الحقائق كما هي ، بل بتوقيعاتها على الارضية المعاشة اليومية ، والاهم من ذلك انه استطاع ان يحيل المسرح الى باحة يمكن من خلالها اكتشاف الحقيقة الواقعية الاجتماعية المرة المخزية ، في دواخل الذات البشرية المنعسكة بالنتاج العام ، على جملة الاحداث المجتمعية ، بل كانت الصالة المسرحية ، مكانا تعرض علية الوقائع الخطيرة والمفاجئة ، التي كان يعاني منها الجسد المجتمعي الاوربي ، بالرغم من ان مدوناته النصية المسرحية لم تخلو من طروحات انسانية وفكرية مهمة وعميقة ، حيث تعرض ( ابسن ) وبدقة اسلوبية خارقة وبلغة شعرية فائقة لقضية ماهية الحقيقة ، والفرق بين الحقيقة ، والواقع ، والصراع والاحتدام ما بين :-
1- الواقعــي .
2- المثالــي .

وهذا يتضح جليا عبر الاستعراض الدايلوجي التوقيعي والتوافقي بين سلوكيات معظم شخصياته داخل المنظمومة الفنيـة للنص المسرحي ، وبين ابطالـــه ، كما جاء في مسرحيــة ( برانـد ) ( Brand ) ( 1866 ) في عرض القيمـــة الانسانية الجوهريــة الاساسية المثاليــة :-
** ( امـا ان تحصل على كل شـيء .. او لا شــيء ) **
وهنا لا بد من التعرض ولو بايجاز ، لحياة هذا المبدع الكبير ( هنريك ابسن ) ، ومن ثم نعاود اكمال موضوعة البحث للتعرف على ماهيات ذلك الترابط الجدلي ، بين حياته كانسان ، وبين قدرته الفائقة ككاتب مسرحي فـذ ، وصاحب مدونات درامية خالدة ، وباب مشرع صوب قلعة الحداثة في المسرح المعاصر . ،
ولد ( ابسن ) في مدينة ( سكيين ) 1828 بالنرويج ، وفي العام 1844 عمل صيدلانيا مساعدا في مدينة ( غريمستاد ) ذاعت شهرته مع بداية بواكير كتاباته المسرحية ، وتحديدا عند كتابتـه لثاني نص مسرحي له ( عربة المحارب ) عام 1850 عمل في السنوات اللاحقة بصفة مدير تحرري لصالـح المسرح النرويجـي فـي مدينـــــــــــة ( برغن ) ، الــف ما يقــارب ( 26 ) نصــا مسرحيــا .
لقد انتشرت اعمال ( إبسن ) المسرحية ، انتشارا واسعا على مستوى الاوساط الاكاديمية والفنية النخبوية في ارجاء العالم في وقت مبكر ، والتي اتسمت بخصائص غنية وراقية داخل ثنايا مفاتن موضوعاتها الاجتماعية الواقعية ، وبالاتكاء على الركائز الجمالية والخصائص الفنية البنائية الراقية ، والسمات اللغوية الشعرية ، والمقرونة بالتطورات الكبرى في القرنين العشرين والحادي والعشرين ، فصورت مشاعر اغتراب الفرد داخل رحم مجتمعه ، وشخصت بامعان جملة من الأغلال التي تكبل فرديته ، والتي ربما كان يزهو بها ، وكشف بالتالي ، عن الضغوط الحياتية الخطيرة التي تتعرض لها الذات البشرية ، والمجتمع على حد سواء ، ازاء ذلك التطور الصناعي السريع المهول في العصور الحديثة ، حيث راح يصور بدقة متناهية ملامح تلك الصراعات الداخلية التي تحيط بالفرد ، وتؤدي بالانابة الى تدميره وسحقه ، وربما ثمة مقاربة وتوقعية واضحة ، بين ما تصوره ابسن في كتاباته المسرحية ، وبين ما يحدث بذات العلة والنزعة ، او البرهة الآنية الذاتية المحطمة ، والمشكلات والامراض السيكولوجية الفردية المعقدة التي تغلف انسان ذاك العصر ، ولعل هذا التمازج بين الخيال الخصب الذي يمتلك لواعج ابسن ويكتنفها ، وما بين المتوقع الحقيقي الافتراضي القادم لهذا العصر، ان ذلك التوارد والتنبوء الفكري المبكر ، ربما هو الذي كان يميز عقل ابسن الابداعي عن عقول سالفيه .
ولعل من أهم ما آمن به ابسن من جملة المفاهيم الفكرية العقائدية التي اعتنقها ونظر لها بل ودونها ضمن أطار طروحاته الفنية النصية ، هي قيمة ( الحرية ) التي كان يعتقد بأنها ضرورة من ضرورات التواصل صوب المنجز او المنتج الذاتي الابداعي ، وقد كان يميز وعلى نحو خاص ، بين المتناقضات في القابلية ، والرغبة ، والارادة ، والظروف ، والمزج بين التراجيديا ، والكوميديا البشرية بالاجمال والضغوطات الفردية ، في آن واحد ، في ظروف غير مختلفة التواقع ، ولعل ما يميزه ايضا انه وعلى الدوام كان يمارس مخاض ( التجريب ) البحت ، بل ويتجاوز الحدود المنشئية السابقة في كتابته ، وغالباً ما خلقت نزعة الاستكشاف والتجريب هذه منه ، ومن نصوصه المسرحية موضوعاً مثيراً للجدل ، وحالة صادمة للجمهور والنقاد التقليديين في عصره ، وعن هذه النزعة المفاهيمية التجريبية الخاصة يصرح قائلا :-
** حيث كنت أقف في ذلك الحين ، عندما كتبت كتبي المختلفة ، هناك الآن حشد مكتظ ، ولكنني ، أنا نفسي ، لم أعـد هناك ، أنا في مكان آخـر ، آمل أن يكون في الطليعة **
وفي رأينا إن ذلك المكان المنير المتفرد الذي اصطفاه ( ابسن ) لنفسه والذي احتفى به أيمـا أحتفاء واسماه بـ ( الطليعة ) فهي مفردة في اصلها المعجمي ، ومصدرها التحليلي والتفسيري الواضح في سياق التركيب اللغوي القصدي الذي عناه ، والذي لا يقبل اللبس ، هي الصدارة والطليعية لـ( الحداثة ) المسرحية المعاصرة ، بعينها .
والذي نزمع ان نخلص اليه في الانتهاء من خلال هذا الاستعراض التحليلي ، يكمن في تلك الصعوبة الفهمية ، او الجرأة الخطابية المكتسبة الغير تقليدية ، في تصنيف إبسن ، على نحو معقول منصف ، محايد ، هو ذلك التعقيد النفسي الذي يصور به أبطاله وموضوعاته على حد سواء ، بذات القيمة الابداعية المتميزة ، وقد تمكن بل واسهم هذا الجهد والمخاض الدرامي المضني في رسم الشخصيات الابسنية ، وايضا في خلق حالة من الموائمة بينه ، وبين جملة النقاد اولا ، وبين نخبة القراء ثانيا ، والمتلقين ( الجمهور ) ثالثا ، من أن يجدوا ظالتهم في دعمً معتقداتهم ومناخاتهم ومزاعمهم الشخصية او اهتماماتهم الفنية المحضة ، في ذلك التوافق بين طروحات ابسن الفكرية والفنية ، وبينهم باعتبارهم النواة الاصلية لمبعث وانتعاش وديمومة المنهج التجاربي ، وكلما اقترب هذا الديدن الاصيل من الحقيقية الحتمية الواقعة ، كان صادقا وصحيحاً في عملية اسقاط مواطن حقائقه الدالة المُحدثة المغيرة ، في القرن التاسع عشر ، والعشرين ، وفي مجمل الازمنة اللاحقة ، فقد منح إبسن توصيفات وعلاجات مهمة ودقيقة من خلال ذلك البون الزمكاني الفاصل بين المتلاحقات المتماثلات ، في عملية اغناء دعائم التفسير الحقيقي في ذات اللحظة الآنية والانسياق خلف مراسيم انتاج الافرازات والارهاصات من خلال جلباب الماضي ، ومفاتن وغرائز المستقبل ، فعلى سبيل المثال استخدام تلك المصطلحات المتثورة في الذات الحاضرة ، والقديمة ، والمستقلبية ، المتقلبة المزاج والمغلفة بالعقد المصطلحية ، على مستوى الطرح والتطبيق ، كالثورية ، والرومانتيكية ، والمثالية ، والواقعية ، والطبيعية ، والرمزية والاشتراكية ، والرأسمالية ، الخ ، ومن جانب اخر اهتمامه الشديد بقضايا المرأة ونهضتها وتخليصها من ريق التسلط الذكوري والعبودية لقد كان ابسن حقا كاتبا مسرحيا متفردا في مجاهل التحليل النفسي للشخصيات ، وكان تأثيره عميقا وبائنا على الدراما المسرحية العالمية بالعموم ، سواء في عصره أو في القرن العشرين ، فقد احالت شرائطيته الدرامية ، والمقومات الثيمية لمسرحياته وطبيعة صراعاتها ، ودرجة حبكتها العالية ، وحداثية طروحاتها الفكرية والاجتماعية الواقعية ، العديد من المخرجين المحدثين الى السعي المستمر لخلق حالة من التوافق بينهم وبين نصوصه واللجوء الى مذاخر استباطية و اساليب وطرائق وتقنيات جديدة ، والسعي الجاد باتجاه ايجاد ملامح واساليب وطرائق حداثوية ، لتقديم نصوصه على خشبة المسرح ، كما واغنت فكرة الاجتهاد المستمر الحثيث ، في الوصول الى مناهجية واضحة ولغة ( ميزانسينية ) أي اسلوبية جديدة للوصول الى دعائم فنية وفكرية لتفسير وتحليل نصوصه المسرحية ، مثلما أدت بالتالي الى خلق حالة من استنفار اشكال القولبة القديمة الادائية ( التمثيلية ) والثورة عليها وتغيرها لخلق هالة من التسامي لدى ( الممثل ) في السعي خلف مظاهر الابتكار لطرائق ومفاهيم تشخيصية تجسيدية جديدة ناهضة والتي يمكن من خلالها الامتثال لحالة الرقي الاقناعي في ادائها ، للحصول على اعلى درجة من الامتثال ( الاستجاباتي ) المبهر للعرض المسرحي للنص ( الابسني ) .
وعلى سبيل الاستعراض الاستقرائي والتحليلي السريع في مجمل الخصوصيات المدارسية والاسلوبية التي كان يُعمل بمضامينها قبل مناهجية وطروحات ابسن الاسلوبية الحداثوية ، هي ظاهرة التجسيد وفق منهج ، او اسلوب (الخطاب الانفعالي ) في فن التمثيل ، لكن في عهد إبسن لم يكن الممثلين قادرين ، مثلا ً، على أن يقدموا ، بإقناع ، ودرجة استجابة مثلى ، طريقة القاء الحوار الطبيعي لمسرحيات إبسن الأخيرة ، التي تميزت بتشظي الجمل ، وانكسار التواقع الايقاعي الخفي ، وتقاطع الكلمات ، والاكثار من الجمل التعجبية ، والتعابير القصيرة الدالة على المعنى الخفي المستتر خلف ماهيات الحوارات والدايلوكات .
وفي رأينا ان هذا التميز والتجدد في الظاهرة الجمالية القرائية النصية الابتدائية ، وتفكيكها ، وتفسيرها ، وتحليلها ، وتاويلها ، ومن ثم احالتها الى منصة التقديم العرضي للنص المسرحي المشفوع بالدراية الثيمية الدرامية المحصنة بنتائج متقنة ، في عهــد ( هنريك ابسن ) كان ابتكاراً حداثويا ، أربك ، بل أقلق ، جملة العاملين في المسرح ، ابتداءا من المخرج ومرورا بطاقم العرض وصولا للاداة التوصيلية الفاعلة ( الممثل ) لينتقل جل ذلك بالاحالة العرضيـــة المتوازنة الى المتلقي ( الجمهور ) الذين اعتادوا على ان يشاهدوا لونا مألوفا غير هذا اللون من الوان العروض الجديدة على خشبات المسرح .
لقد احدث ابسن من ناحية اخرى طفرة جديدة على مستوى التناول الدرامي ومستوى التلقي في تصوير سفاهة وضحالة المجتمع البرجوازي عبر اعماله المسرحية ، من خلال محاجر عيون النساء ، ضحايا الاضطهاد ، ففي مسرحية (هيدا غابلر) ـ 1890 نشعر وبمواضبة غريبة ، بأن إبنة الجنرال مغلوبة على امرها ، وكانها مأسورة داخل قفص قسري مذهب ، لكنها تكافح من أجل التحرر من ذلك العالم النتن الضيق ، التي ترغم للعيش داخل معالمه القذرة ، لكنها تسقط وتنحدر الى مصاف سحيقة في الذات البشرية ، لترتقي صوب اعتلاء محطة سامية في تحطيم من حولها ، وبالتالي لتنفي وتحطم ذاتها داخل ذلك المجهول العفن الذي فرض عليها ، لانها ترفض الخنوع ، والانصياع للاحكام المجتمعية البالية السائدة .
ويبقى هناك ثمة تساؤل خطير ، يجول في الذاكرة الحية ، ما سر تعلق ابسن بـ( الظاهرة النسوية ) ومحاولته الدائبة في انصاف المرأة في مطلع القرن العشرين ، هل أعتبارها أديولوجيا اجتماعية جديدة او فلسفة حديثة اراد ان يعتنقها ، وذهب بعيدا في الدفاع عنها ، بل وراح يكرس خطابه النصي المسرحي لها ، ويدافع عنها بجديةٍ مبالغ ٍ ومغال ٍ بها ، يبدو سؤالاً مثيراً للجدل ، هل كان ( ابسن ) مشغوفا بالمرأة ، هل كان عاشقا ، ام هي محض صدفة باركها القدر الدرمي لينصف فيها المرأة وتطلعاتها المستقبلية صوب الحرية الفردية التي هيمنت عليها بالكلية الدكتاتورية الذكورية ، فالرأي الذي يدعم ما ذهبت اليه ، ان إبسن كنصير للاتجاهات الانثوية ، يمكن أن ينظر إليه متجلياً على امتداد طيف واسع من المواقف ، وهنا لا انصب نفسي شفيعا ولا مدافعا عن اراء ابسن بجل الاحوال ، ولكني احاول ان اجد له معاذير عقلانية واحاول بذل الجهد التحليلي ، كي اكون ناقدا منصفا فحسب ، وأحصر هذه المشفوعات التأسيسية ، وفق منهج ميزات تراتبية وكالتالي :-
الميزة الاولى :-
كان ابسن رجلا حرا في تأسيس منهج طروحاته المسرحية ، وينحى منحا اشتراكيا في اطار تفكيره العام ، بمعنى انه كان يؤمن ايمان قاطع بالتعددية في تدوال السلطات داخل المنظومة المؤسساتية للهيكلية السياسية والمجتمعية .
الميزة الثانية :-
كونه كان ممتلأ ً حنوا كانسان متمدن حدثوي حضاري ، او ربما هو الحنيين الوجداني المبكر للرجوع الى مناخات الطفولة ، والرعاية الامومية ، لكن بالعموم حتى اكون منصفا ، ان ما ذهب اليه ابسن في الدفاع عن القضايا الانثوية ، هي محض مواقف انسانية كبيرة ونبيلة ، وربما استطيع ان اسقط بقيمة دلائلية تحليلية ضمن اطار الميزة الاولى التي تناولتها كحجة لابسن ، هي في أداء هواة لمسرحية (بيت الدمية) عام 1886 في غرفة الضيوف بشقة في منطقة بلومزبري بلندن ، حيث كان جميع المشاركين لا من المرتبطين بالقضية النسوية فحسب ، وإنما كانت لهم أو ستكون لهم فيما بعد انجازات واسهامات كبيرة في الحركة الاشتراكية البريطانية.
الميزة الثالثة :-
كان إبسن غالباً ما يربط ويمزج قضية النساء بالمجالات الفكرية والسياسية والاقتصادية الأخرى ، التي تحتاج الى عملية إصلاح وتطهير كبيرة ، وكان كثير المجادلة في حلقاته النقاشية ، وكان يؤشر مواقفه المنبثقة عن ايمان فكري صادق اتجاه الحركة النسوية ومواطن الخلل المجتمعية الاخرى في العديد من المناسبات .. حيث يقول :-
** ان كل المهمشين ( وبينهم النساء ) ينبغي أن يشكلوا حزباً سياسياً قوياً للكفاح في سبيل تحسين وضع وتعليم النساء **
وفي موقع آخر ، وفي كلمة له ألقاهـا أمام تجمع عمالي في مدينـة ( تروندهايم ) عام 1885 قال :-
** إن "تحويل الظروف الاجتماعية ، التي تدور الآن في مختلف أنحاء أوروبا ، مرتبطا الى حد كبير، بالوضع المستقبلي للعمال والنساء. وذلك ما آمله وأنتظره ، وما سأسعى اليه بكل ما أوتيت من طاقة **
الميزة الرابعة :-
ان مسألة علاقة ( إبسن ) بفكرة الاشتراكية من خلال حقيقة جلية وواضحة تتموطن على فرضية ان الاشتراكية ، والحركة النسوية الناشطة في القرن التاسع عشر ، كانا حليفين قويين يشتغلان على ذات المناطقية المهمشة لتفعيلها واستخلاص النتائج الناجعة من خلال مواطن سباتها الفائت ، وكان هذا رأى المفكرون الاشتراكيون الأبرز في ذلك الوقت ، رجالاً ونساءا ً .
الميزة الخامسة :-
أن المساواة الجنسية الحقيقية تتطلب تغييرات أساسية في بنية المجتمع وتحتاج الى مراجعة مستمرة عبر منتج الخطاب المسرحي الدرامي لضمان الابقاء على استمرارية ديموميتها وفاعليتها .
الميزة السادسة :-
ان ابسن كانت له حظوظ توفيقة مع المرأه ، وربما تشارك معها في رفض الهيمنة الذكورية على مناطق تبادل داخل مناخات البيت الواحد .
الميزة السابعة :-
وفي تقديرنا هي الميزة الاكثر فاعلية ووقعا في حياة ابسن المتقلبة بين مواجع الغربة عن وطنه والعيش مضطرا للتعايش خارجه والبعد القسري عن ملاذاته الآمنات ، لذا قرر ان يحتج ويعلن امتعاضه وبصوت عال ، عبر اعماله المسرحية عن كل تلك التراكمات الاجتماعية المقيتة المترهلة داخل الجسد المجتمعي الفكري والسياسي ليصار الى انقلاب وتحول جذري واع ٍ صوب حرية الفرد داخل ذاته اولا وداخل مجتمعة ثانيا .
الميزة الثامنة :-
ولكونه كان شاعرا مجيدا فقد استطاع من خلال اللغة المختزلة الدالة في توصيل افكارة من اقرب الطرق واوسعها رحابا ، لذا تمكن من ان يرتدي اللغة ملاذا لمقاصده النبيلة ، فكانت عملية الاستجابة العالية من لدن جمهور المتلقين خصبا ، وربما كان الجدل عليه ايضا وافرا فهذا يدل على جدية وعمق طروحاته الفكرية المسرحية . وبالرغم من انه لم يكتب مسرحيات شعرية بعد ( بيرغنت ) بل غير اتجاهه فكتب عام 1869 مسرحية ( فورة الشباب ) وهي مسرحية كوميدية ساخرة تدور موضوعاتها الثيمية على مثلبة الزيف ، والخـداع ، وفي العام نفسه بدأ عمله الكبير في مسرحية ( ملك الجليل ) وانتهى من كتابتها في 1873. وقد تناولت موضوعة الصراع في ثيمتها بين المسيحية والوثنية ، آبان الأيام الأولى للمسيحية في أوروبا في عصر الإمبراطور جوليان ، وهذا يؤكد بداهة ً، على ان ابسن كان غزير التناول في طروحات موضوعات اعماله المسرحية الشعرية ، والواقعية والاجتماعية ، والتاريخية .
الميزة التاسعة :-
شعور ابسن المبكر بعقدة الذنب لاسباب كان يوقعها بشكل جلي في جـُل اعماله المسرحية حينما تَبنى التنظير والتبشير والكتابة لمذهب اومدرسة او اسلوب ( الواقعية الاجتماعية ) او ( الدراما النفسية ) وهذه المسرحيات التي تكتنف اجواءها عقدة الذنب لدى البطل كما في مسرحيـة ( أعمدة المجتمع ) عام1877 و ( بيت الدمية ) عام 1879 و مسرحيـــة ( الأشبـاح ) عام 1881 و مسرحية ( عدو الشعب ) عام 1882 ، ويبدو ان هناك تلازما ً واضحا ما بين عقدة الذنب عند ابطال ابسن وبين شعورة اصلا بعقدة الذنب في حياته الزاخرة بالتقلبات كانسان ، وككاتب ، ويكشف إبسن عن مظاهر شعور البطل بعقدة الذنب بوسائط وطرق مختلفة ، ليدفعة عنوة صوب طريق التكفير الناجع بالنجاة والخلاص ليبني حياته المستقبلية وفق نظام مجتمعي خلاق ومبني على روح الصدق الحقيقية وروح حرية الموقف والفكر والتعبير ، والتي اعتبرها أعمدة وركائز ودعائم لبناء مجتمعات حضارية متمدنة خالية من عقدة الذنب بالمرة ، لان الابطال الذين سيأتون فيما بعد لا تسكنهم تلك المخاوف الهاجسية للشعور بعقدة الذنب لانهم سيتطهروا منها ، قبل ان يرتكبوها .
ومن جانب آخر ، فقد أثارت النصوص المسرحية المدونة لـ( إبسن ) مواقف متعارضة في أوساط النقاد وعلى مستوى الصحافة والجمهور في لندن ، فقد عبـرت ( أوليف شراينر ) الكاتبة والنسوية الناشطة الجنوب أفريقية البارزة ، عن إعجابها الشديد والعالي والمقطع النظير بـ( إبسن ) حين قالت عام 1884 لقد قرأت جزءاً من مسرحية إبسن ( الأشباح ) عام 1881 وهي ما تزال في حيثيات مسودتها ، إنها واحدة من أعظم الأعمال التي لم نرَ مثيلها منذ زمن ٍ بعيــد .
غير أن مسرحياته واجهت مشاعر رعب وخوف واحباط من قبل العديد من نقاد المسرح في لندن ، وظهـرت مقالات تتصـدر الصحف تهاجم ( ابسن ) ووصفت تلك الصحف ، جمهور مسرحية ( الأشباح ) التي عالجت موضوع الأمراض التناسلية وآثام الاباء الذين ينتقمون من أبنائهم ، بأنهم عشاق الشبق والنزوة والنزق العاطفي والاثارة الجنسية وغير محترمين لانفسهم ، وليس لديهم حياء واحتشام وهم ايضا تواقون الى إرضاء أذواقهم غير المشروعة بذريعة الفن ، ومن جانب اخر نشرت العديد من الصحف وقتها مقالات مطولة تشيد باعمال ابسن وتدافع عن افكاره وطروحاته الفكرية والفنية الاجتماعية الواقعية ، حيث اعتبرَ الناقد المسرحي البريطاني المعروف (هارلي غرانفيل باركر) أول إخــراج لمسرحيــــة ( بيت الدمية ) عام 1889 الحدث الأكثر دراماتيكية في جودة حبك ( العقدة ) .
وتتأتى حداثة طروحات ( هنريك ابسن ) الفنية من صلب اعتبار جل اعماله المسرحية المدونة هي انعكاس واضح وجلي لمجمل الظواهر الواقعية الاجتماعية والغوص داخل الاعماق النفسية للذات البشرية لاثراء الشخصيات بذلك النسيج الدرامي المتفرد ، فهو نَفسٌ تجريبي حداثوي على مستوى مائدة الطرح والتناول والتفسير والمعالجة ، ولعل محاولة اعادة تثوير الصراعات النفسية لذات التنشيط المختبري السالف والذي ارغم النقاد على ان يطلقوا عليه لقب ( فرويد المسرح ) لتمادية في اخضاع ذوات شخصياته الحية لمجهر التحليل النفسي وتثوير ملامح الانقلاب الواعي على مظاهر الاضطهاد الذكوري ، كما في رائعته ( بيت الدميه ) تلك المظاهر التي رسمها المجتمع حولها ، ولقد تكررت تلك النزعات الثورية المجتمعية في كبرى اعماله المسرحية ، والتي اعتبرت بنسيجها الثيمي الجديد ثورة على التقاليد البالية النمطية القديمة في تقديم الظاهرة المجتمعية السيئة ومعالجتها باشكال مسرحية مختلفة ، تختلف اختلافا كليا ، على مستوى جل المعالجات الثيمية والحكائية والحوراية والفلسفية والفكرية ، عما ظهرت عليه في الاشكال المتعددة من خلال انتعاش المدارس والمذاهب والاساليب الادبية والفنية المتعددة والمختلفة ، ومدى قابليتها على معالجة ذات الظواهر الاجتماعية ، بوفق المواصفات التنظيرية المعقدة في مناطق اشتغالها الدرامية عند ( هنريك ابسن ) .
لم يعرف المسرح الغربي بالعموم معنىً اصيلا لعملية التحرر من قيود المسرح الأرسطي والانسلاخ عن مفهوم المحاكاة الكلاسيكية إلا في القرنيين التاسع عشر والعشرين من خلال انتعاش التناول الحثي التجريبي وظهور العديد من المدارس والمذاهب المسرحية والفنية والثقافية والنقدية التي استهدفت الثورة بالاجمال على المسرح اليوناني ، ومفاهيمة التقليدية ، كما ازمعت هذه المذاهب وبادوات ادبية تنظيرية علمية تجريبية ، للتخلص من الفلسفة العقلانية المغلقة ، المبنية على مبدئية أصليين هما .
1- منهجية المنطق 0
2- علوم الكــلام .
ومن ثم الابتعاد بالمرة عن مبادئ المذهب الكلاسيكي القديم برمته ، والذي كان يواشج معمليا فن المسرح بديدن العقل ، وتقاليد المحاكاة ، وتبجيل وتقديس القضايا المتصوره من قبل المنطق وتتمثل بمجمل مناطق ومعالجات الأخلاق والفضيلة .
نعتقد ُبأن ظاهرة التجديد المسرحي كانت قد بدأت مع ظهور الشاعر والكاتب المسرحي الانكليزي الكبير ( وليم شكسبير ) بمؤلفاته المسرحية الشعرية الدرامية الخالدة ، ماكبث ، هاملت ، عطيل ، الملك لير ، وغيرها ، والتي اتسمت بهيمنة الثيمة الصراعية في تسيد البطل وفي انتخاب المعالجات الحوارية الشعرية الراقية الانموذجية المتواخاة في كتابة النص المسرحي الدرامي المجيـد الخالـد.
وبعد شكسبير ظهرت العديد من المدراس والمذاهب الفنية المسرحية ، والتي تقف في مقدمتها المدرسة الرومانسية التي انتعشت في القرن التاسع عشر ، عبر مجموعة كبار الكتاب والمنظريـن والكتاب أمثـال ( فيكتـور هيجـو )V- Hugo ) ) فـي مسرحيــة (هــرنانـي) و( السكندر دوما ) ( A-Dumas ) في مسرحية ( هنري الثالث ومجلسه ) و( الفـرد دوموسيه A -Musset ) ( ) في مسرحياته الرومانسية الكثيرة ( لا نتلاعب بالحب ) و ( ليلة البندقية ) وايضا الكاتب الملهم الكبير ( جوتـه ( Goethe ) ( كاتب المسرحيـــة الرائعــة ( فاوست ) و( فردريك شيلر ) الذي تحدثنا عن مدى تأثر ابسن باسلوبه ، وكانت من مرتكزات ودعائم الرومانسيـة في فضاء المنتج الدرامي المسرحي ، متأتية من حرية الإبـداع ، وتبضيع وتفكيك الوحدات الارسطية الثلاثة ( وحدة الموضوع ، ووحدة المكان ، ووحدة الزمان ) والتمازج والتلاقح بين الأجناس الأدبية والعمل الجاد على صهرها داخل رحم اطار واحد كالمزج والتلاقح بين التراجيديا والكوميديا ، والجمع بين الشخصيات النبيلة والدنيئة ، والمحاذاة بين الضحك والبكاء ، و الجمع بين الرفيع والوضيع ، والترجمة الصادقة الشفيفة في محاكاة الطبيعة عن كثب او عن بُعـد ريثما يتسنى لها ذلك الجو الحالم لانعاش ذاكرتها الرومانسية .
بعد المدرسة الرومانسية ظهرت المدرسة الرمزية بعد حرب 1870 و مع بواكير الثورة ضد القيم والثوابت الاخلاقية للبورجوازية ، والتأثر الكامل والمفطر باراء واطاريح الألماني ( ريشارد فاكنر ) حيث يرى فاكنر أن الكاتب الدرامي عليه أن يرسم حوله عالما مثاليا تغلفه أساطير على غرار المسرح القديم ، وأن يثير نوازع وارهاصات العالم الروحي الداخلي للشخصيات دون التركيز على المظهر الخارجي ، وكانت لهذه الآراء التصورية والفلسفية داخل المخيلة الدرامية التدوينية أثرا كبيرا في الأوساط الثقافية والفنية في فرنسا سنة 1880 ، مما ساهم ذلك بشكل فاعل ومؤثرعلى ولادة تيار واسلوب ومذهب فني وأدبي اطلق عليه ) الرمزي ) الذي يدعو إلى مذهبية مسرح ( اللا مسرح ) والذي يعتمد على الفلسفة الروحانية ، وتداعي اللاشعور واستخدام الصورالرمزية التي من شأنها تبني الايحاءات وملامس الحدسية ومن ثم توظيف الايقاع البطيء لاستقراء وتمحيص ما هو مضمر وخفي ومستتر في النفس البشرية ومن ثم التمرد على الواقع المعاش بالاكراه والجنوح الحتمي الضروري صوب ( اللاعقلانية ) المفرطة في تصور الطبيعية والمجتمعات والبشر ، وازدهرت المدرسة الرمزية بين اعـوام ( 1890 – 1900 ) على ايدي العمالقة من كتابها ومنظريها الكبار المهميين امثال (موريس موتيرلنك) و( بول كلوديل ) و ( تشيكـوف ) و ( ستريمبرج ) و( هنريك ابسن ) .
وجاءت صيحة المدرسة السريالية التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى متوازية مع التحليل النفسي الفرويدي ، وتذمر الإنسان من الواقع الأورپي المتردي الذي كان يعيش بداخله مرغما ، والذي كانت تتآكله بداخله ويلات الحروب الكارثية ، مما دفع كبار المنظرين السرياليين للتخلص من هذا الواقع الموبوء والانشطار عنه ، والتحليق صوب واقع آخر رسموه لانفسهم يستطيع الفرد من خلاله التخلص من ادرانه الذاتية والتحرر من القيود والتقاليد والأعراف والقيم الأخلاقيات المجتمعية البالية ، لكي يكون بامكانه الحصول على الملذات الشخصية وإشباع غرائزه وشهواته قبل أن يأخذهم الموت نحو العدم القادم من سديم النفس التي تحاول الهروب من ذات الواقع الي يحتضرون فيه ، ويعد الكاتب الفرنسي ( كيوم ابولينير ) ( G-Apollinaire ) هو أول من استخدم مفردة السريالية Surréalisme ) ) حينما كتب واصفا عملا مسرحيا وكان ذلك العرض عبارة عن فرجة مشاهدية جميلة درامية موسيقية ، راقصة ، كان قد كتبها الكاتب الكبير (جان كوكتو) .
ومما تقدم في متن البحث ، يمكننا القول باننا اذا ما اردنا ان نوقض الفكرة الاصيلة في محاولتنا الجلية في موضوعة استنباط فكرة تسيد الكاتب المسرحـي الكبيـر ( هنريك إبسن ) على قمة الحداثة في المسرح المعاصر ، ومن ثم تأصيلها ، وتطوريها ، والمحافظة على أحقيتها ، علينا باجراء استقرائي وتحليلي سريع لملامحه الفكرية والنفسية بالاستدلال على ايرادنا بعنونـة موضوعة البحث ، وفي مجمل اثره المسرحي الابداعي المدون الزاخر ، الى كتابة آخر مسرحية له والموسومة ( عندما نستيقظ من بين الكلمات ) والتي انتهى من كتابتها عام 1899 ترسم الكثير من محاكاة شخصية الحياتية ، من خلال شخصية (روبيك ) في حبكة هذه المسرحية لقد رسم ( إبسن ) شخصية ( روبيك ) و اعتنى ايما اعتناء بصياغة جوهر الهامها الفكري وتدوين مفاتن بوح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://fnuonmastar.yoo7.com
 
* هنريـك أبسـن *
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
سيد الفنون :: المسرح العالمي-
انتقل الى: