عــن فــــن التمثيـــل الصامــت فــي العـــراق

عــن فــــن التمثيـــل الصامــت فــي العـــراق


 كمال لطيف سالم

في مقدمة كتاب الناقد علي مزاحم عباس (فن التمثيل الصامت في العراق) نتعرف ان فن (الميم) لم يكن معروفا وحتى متداولا حيث لم يحفل فنانو الميم على الكتابة وتشخيص هذا الفن بعينه خاصة طلبة معهد الفنون الجميلة .



ولعل ما يثير الانتباه الى معنى مصطلح الميم وهو قليل الرواج في ادبنا النقدي حيث لايحتل مصطلح (البانتوميم) مكان الصدارة فبات عسيرا ان لم يكن شبه مستحيل تغيير ذلك فالبانتوميم كلمة يوائية تطلق على المواقف الصامتة في المسرحيات الحديثة حيث يقوم عنها (الموقف) أي حركات الممثلين الجسدية التي لا تصاحبها الكلمات ويؤشر ذلك في بعض المصادر..قوله المحاكات، ويعني في العصر الحديث اداء.. وبين ما يغرق في مصطلح التمثيل الايمائي ومصطلح البانتوميم فهو يرى ان التمثيل الايمائي فن اتحاد الذات مع العناصر السائلة والجامدة المحيطة بنا في ترجمة حركة الجسد ويرتسم ذلك في التمثيل الايمائي. وهنا يضيف انه ليس لغة الحركة فحسب بل هو معرفة لغة الفعل، لغة تعرف الكائن البشري لتطلعاته الدفينة على التمثيل الايمائي ولقد نشأ هذا المسرح من مصادر شعبية حية ومن هنا يصح القول ان الفن الايمائي او ما يطلق عليه التمثيل الايمائي هو فن الصمت والحركة، فن العقل ذاته والاحساس ، فن مرتبط بحياة الانسان.
أما البانتوميم فله قواعد اخرى، قد تكون كوميدية او هزلية وهي فن درامي لانه اجتماعي اولا وقبل كل شيء، وفي الفصل الاول من الكتاب اطلالة تاريخية يرجع مؤرخو المسرح ان حضارات الشرق القديم في مصر والصين واليابان قد عرفت التمثيل مثلما عرفته اليونان وبعدهم عرفه الرومان عن طريق الدراما الشعبية بشكل محاولات تتمثل في الاشعار الفيسكيتية والساتورا والقصص الاثيلاثية.. والفيسكيتية هي عبارة عن التمثيل الصامت المرتجل، وقد ظهر فن التمثيل الصامت في العصر الحديث فقد شهد عام 1957 تجربة مثيرة حين اسس مجموعة من الشبان الصم والبكم بمبادرة من الاخوين ميروسلاف وتائريوس فرقة تعرف اليوم باسم مسرح اولمزشتاين الايمائي اتخذها البولنديون اصحاب التجربة جسرا للاتصال الانساني الحميم حين عرضت اعمالها في العديد من بلدان العالم، فهدمت جدران العزلة والكبت والعقد والشعور بالعزلة واثبتت هيمنتها على مفردات بليغة وبالغة الحيوية في التعبير عن مشاعر الممثلين والمتفرجين المعاقين وتصوراتهم للحياة ورؤاهم لحقائق الاشياء، فكانت لغتهم حبيسة ومفعمة بالتعاطف والمشاركة حيث عقدت صلاتهم بين البشر الناطقين، ويجد الاطفال في هذا الفن متعا كبيرة ،مثيرة لخيالاتهم وحاسبة لانفاسهم فلا عجب ان يعرف عصرنا ثورة فنية درامية مثلما يشهد ثورة عاصفة في الفيلم والتقنية ففي بولندا اسس توماشيفسكي اول مسرح للفن الصامت عام 1956 اشتمل عرضه الاول على اربعة فصول مستقاة من رواية المعطف لغوغول واحدب نوتردام لهيغو، وسمي مسرحه مسرح مروتسلاف للبانتوميم فمسرحه يقوم على التكنيك المعقد والرقص والحركة لبلوغ تجاوز حواجز اللغة (النطق).
في المانيا عممت هذه التجربة حيث قدمت فرقة مارسيل مارسو اعمالها بالمشاهد الصغيرة والدراسات والتدريبات التقليدية اما في بريطانيا فقد عرف هذا الفن منذ قرنين حيث استطاع جون مارلي الملقب بملك المسرح الايمائي اجتذاب الكبار، وبدأ حياته الايمائية مستقصيا نصوص مسرحه من القصص والحكايات القديمة غير ان التجربة الفرنسية تتسم باتساعها واجتهاداتها بعملين بارزين من اعمالها هما جان لوي بارو 1910 ومارسيل مارسو 1944 والاخير لا يزال يمارس الفن .
يستعرض الكتاب ابرز اعلام فن التمثيل الصامت ــ الميم ــ منهم بارو قدم خلال عشرة اعوام بين 1947 ــ 1957 ثلاثة اعمال لعب في احد ادوارها دور هارلكمان فهو يصف حالة الممثل وقدرته على التمثيل والايصال. ان كل نصف ساعة من التمثيل الصامت بقدر مسرحية ناطقة ذات خمسة فصول، ويخلص الى القول في كل تكوينه لا ينبغي على الفنان الصامت ان يكون ممثلا مشوها تنقصه المهارة بل عليه ان يكون امهر من الممثل المسرحي الاعتيادي ويأخذ الكتاب بواكير التجربة العراقية للسنوات 1919 ــ 1967 بعد احتلال الانكليز للعراق وبغداد خاصة. قدمت بعض العروض المسرحية الارتجالية وبعضها كان ايمائيا تشخيصيا وفي المرحلة الاولى من عام 1958 ــ 1967 شهدت مدينة الديوانية اول عمل للميم قدمه منعم سعيد الذي يعمل قاطع تذاكر في السينما حيث قلد بالمسرحية الصامتة شريط الافلام المتحركة وفي نفس المكان قدم المدرس رياض الشبلي عرضا صامتا استغرق عشر دقائق وفي عام 1962 دعت عمادة معهد الفنون الجميلة بعضا من طلابها كسالم الزبيدي وكاظم فارس وسامي السراج وغيرهم للاشتراك في مسرحية صامتة سميت (قصة شعب) وقد قام بتأليفها واخراجها جعفر علي وكانت تجربة حية ورائعة في ذلك الوقت، واخذت بعد ذلك التجربة في طورها الجديد فظهر ما يسمى بملامح التجربة واحجام الفرق الاهلية غير ان تقديم مسرحية المعطف لغوغول على مستوى تجربة الميم.. صعدت من اهتمام الفرق والمعنيين بهذا الفن العظيم ومن المفيد ان نشير الى اسماء بارزة في هذا المجال منهم صباح الانباري وادب الميم مع اختيارات لابرز اعماله المسرحية في مجال التمثيل الصامت (الميم) في العراق.

منقول